الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية **
أولًا: الأدوات الداخلية وهي تهدف إلى: * تشجيع الشعوبية ـ بمعنى إحياء القوميات والعصبيات. * تدعيم مفهوم الولاء الطائفي بمعنى إذكاء الصراع بين أبناء الأمة ـ مسلمين ونصارى ورعاة ورعية. * مساندة الزعامات المهلهلة ودفعها إلى مواقع السلطة. * خلق طبقات منتفعة طفيلية. * استخدام أساليب التسميم السياسي. * الأبحاث الميدانية الأمريكية ودورها في خدمة هذه السياسات. ومجموعة هذه السياسات تقود إلى نتيجتين متكاملتين: الأولى ـ الفوز بالتبعية للإرادة الغازية. الثانية ـ الابتعاد عن التكامل بالنسبة للإرادة القومية العربية. والنماذج التي تعيشها المنطقة العربية بهذا المعنى عديدة لا حصر لها، بل ويمكن أن نقول: إن جميع أجزاء المنطقة، وبدرجات متفاوتة، قد وقعت في هذا الفخ. ثانيًاـ الأدوات الخارجية أو الدولية: وهي موجهة ضد تكامل الإرادة العربية، وهي تهدف إلى: 1 ـ نشر الكراهية ضد العالم العربي. 2 ـ تدعيم الترابط الدولي ضد المصالح العربية. 3 ـ تفجير منظمة الأوبك. "الأدوات الداخلية التي تتبناها السياسة الأمريكية، بمعنى الأساليب التي تتبناها السياسة الأمريكية في داخل بلاد العالم العربي لتحقيق أهدافها". وقد ذكر الكاتب ـ رحمه الله ـ جملة حقائق نذكر بعضها ولا يغنى هذا عن الاطلاع على المقال كاملًا في مصدره،قال الكاتب ـ رحمه الله ـ: أـ "وتفضح الوثائق التي نشرها العالم الفرنسي "جوليان" على أن تعليمات الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى الشركات البترولية في العالم العربي واضحة، وهي عدم توظيف عوائدها النفطية في المنطقة، وذلك رغم أن احتمالات الكسب في ذلك الميدان لا حدود لها. كل دولار يوظف في المنطقة العربية يستعيد نفسه خلال فترة لا تتجاوز العامين، بينما هو في حاجة إلى خمسة عشر عامًا في غرب أوربا، ومع ذلك فتعليمات وزارة الخارجية الأمريكية كانت صريحة إلى الشركات البترولية أن توجه عائداتها البترولية لتوظف في اقتصاد غرب أوربا، ولا توظف محليًا في المنطقة العربية ". بـ "سياسة جمع المعلومات، هي أحد الأدوات المساندة والضرورية لعملية التغلغل من القوى الأجنبية، لقد أضحت المعرفة الدقيقة أو الواضحة بمقومات الجسد الذي يراد تطويقه عنصرًا أساسيًا من عناصر التعامل مع الواقع السياسي ". وتساءل المؤلف: ما هي أهداف أمريكا من سياسة جمع المعلومات في مصر؟ وطالب بتذكر عدة أمور: الأول ـ "ينفق ملايين في مصر حول هذه البحوث المشتركة ـ لجمع المعلومـات ـ ليس مرده حب مصر، والتغني بجمالها، ومن يحدثني عن الاهتمامات الأكاديمية، فلا أستطيع أن أصفه إلا بالبلاهة ـ لو أردت أن أفترض حسن النية ـ وهو أمر بدوره موضع احتمال". "هناك أهداف خفية تجعل الإدارة الأمريكية تلهث وراء معرفة خفايا الوجود المصري، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وليس فقط من حيث الخصائص السلوكية القائمة، بل وتطور تلك الخصائص السلوكية واحتمالاتها المستقبلية، هذه العملية تنبع من مخطط معين يسيطر عليه السعي نحو أهداف معينة، فما هي؟؟ ورغم أن السلطات المصرية ظلت حتى الآن تغمض عينيها عن الذي يدور حولها، فهل أن الأوان لأن نتساءل وبصراحة: ما هي حقيقة هذه الأهداف؟ إن الخط القاتل لسياسة مصر الخارجية، هي أنها ظنت أن تصرفات الولايات المتحدة ـ وهي دولة عظمى ـ تنبع من سياسة تنطلق من مبادئ ومفاهيم وتقاليد السياسات العظمى، ونسيت أن الولايات المتحدة لم تعد تملك تقاليدًا أو قيمًا ". الثاني ـ "أن القوة السياسية الأمريكية جاءت نتيجة ضعف الإرادة المصرية في مواجهة هذا الغزو الفكري الذي تخضع له مصر دون حياء، إن مصر أكثر ضعفًا واستسلامًا إزاء الفاتح الجديد". وهدف السياسة الأمريكية منع مصرـ أولًا ـ من أن تصبح قوة ضاربة في المنطقة طالما أنها ـ أي أمريكا ـ تريد أن تسيطر على المنطقة، فلن يتأتى لها ذلك، إلا إذا عزلت مصر عن المنطقة، وعملية العزل أبعادها متعددة، وتحطيم إرادة التكامل ليس سوى أحد أبعادها، هناك أيضًا الترابط الثقافي والحضاري، وهي من جانب آخر تقوم بعملية تطويع كلي وشامل للإرادة المصرية، بحيث تجعل الجسد المصري كيانًا لا مفاصل له، وهي من ثم ـ وبأساليب متعددة ـ ترحب وتشجع عملية خلق التسيب، بحيث يصير الجسد مترهلًا، غير قادر على أي نوع من أنواع التماسك". الثالث ـ "ولنتذكرـ أخيرًا ـ أن السياسة الأمريكية تقف أسيرة الإرادة الصهيونية في كل ما يتعلق بالتعامل مع المنطقة. إنها تعيش أسيرة أهداف القيادة الإسرائيلية. إن هدف السياسة الإسرائيلية هو تجزئة المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية، وتحولها إلى نماذج أخرى تشبه ما في البلقان في بداية هذا القرن، إن أهداف إسرائيل من هذه العملية هي تحويل دول المنطقة إلى كِيانات صغيرة طائفية، بحيث يسهل التحكم فيها، وإشعال الصراعات الإقليمية بينها، بحيث تشغل قوى المنطقة لنصف قرن على الأقل من الزمان حول مشاكل حدود مصطنعة، ومن ثم يمكن للنفوذ الإسرائيلي والاقتصاد الصهيوني ـ الذي تتستر خلفه الشركات المتعددة الجنسية ـ من التوسع واستيعاب المنطقة... هذا التصور تتبناه السياسة الأمريكية والدليل": 1 ـ "تصريحات لاريمون إده" رجل لبنان الذي غادر بيروت واستقر بباريس، ليعلن ذلك المخطط، ليس فقط بصدد لبنان، بل وكذلك بصدد جـميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط، وهو مخطط اتجه إلى قبرص وأحداثها معروفة، بل والبعض يتحدث عن محاولات لتطبيقه في تركيا، حيث حدث الصدام العنيف بين الشيعة والسنة في عام 1980 ". 2 ـ "تصريحات سليمان فرنجية " الرئيس اللبناني السابق عن محاولات أمريكا بناء دولة . مارونية في لبنان ابتداء من عام 1978، صادرة من شخص مسؤول ينتمي إلى تلك الطائفة، الأمر الذي يضفي عليها مصداقية معينة ". 3 ـ "على أن أخطر ما يؤكد ذلك أقوال "كيسنجر" في حديثه المشهور لمجلة "الأكونوميست اللندنية" عندما أعلن: "أن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية ـ من جـانب منظمة التحرير والدول العربية ـ لن يكون إلا بداية عملية تعديل وتنظيم للأوضاع الإقليمية تبعًا للإرادة الإسرائيلية ". (بل ولا يتردد أن يضيف بصفاقة منقطعة النظير أن الخطر الحقيقي من المنظمة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادات الإسرائيلية". وقد طرح الكاتب سؤالا: (ما هي أهداف السياسة الأمريكية من جمع المعلومات عن مصر تحت شعار الأبحاث المشتركة)؟؟ وكانت الإجابة: (من يين الأهداف المتعددة لجمع المعلومات الأهداف الثلاثة التالية بصفة خاصة: الهدف الأول: تطويع القوى الراديكالية ـ صاحبة الميول اليسارية أو الشيوعية ـ وقد استطاعت الإدارة الأمريكية من خلال تعاملاتها مع تلك القوى تحقيق أربعة أهداف: 1 ـ إبعاد تلك القيادات الفكرية عن التعاطف من جـانب مع الرأي العام القومي، أو ما يعبر عنه بكلمة: إحراق العميل. 2 ـ ربط هؤلاء اليساريين بالمصالح الأمريكية، وأنه من المعروف أن عملية تجنيد العملاء لا تتجه إلا إلى المعقدين نفسيًا أو العلماء الذين يشعرون بأن حقوقهم مهضومةـ من ذوي الأصل الفقير ـ الذين يتطلعون إلى الرفاهية واليسر، أو المفكرون الذين ترسبت لديهم القناعة بأنهم غير مفهومين، وغير قادرين على الاتصال بالمجتمع، فهم يمثلون خير العناصر الصالحـة للعمالة، والقيادة الغازية أثناء الحرب العالمية الثانية كـانت تتصيد العاهرات لتجعل منهن مصدر المعلومات لسببين: أولهما: أن العقد تؤدي إلى ضعف الشعور بالانتماء القومي، ثانيهما: أن صـاحب العقد النفسـية على استتعداد دائمًا لأن يفسر خيانته بأن يجد لها مبررًا وجيهًا أمام نفسه وضميره. 3 ـ ثم هي في ذاتها مصدر للمعلومات. 4 ـ أن هذه القوى خير العناصر لجمع المعلومات المسطحة. "الهدف الثاني: "اكتشاف مواقع وقوى الرفض الممكنة أو المحتملة وخصائصها، وهذا ما يعنيه صراحة "ميشيل كلار": أن نولي الاهتمام أكثر وأكثر لحركـات الرفض في المدن وينبهنا العالم الأمريكي "لوسيان باي" الأستاذ بمعهد "ماساشوسيت" للتكنولوجيا ـ وهو الذي يتعاون مع جامعة القاهرة ـ بأن مستوى المدن التي تتزايد وتتضخم باستمرار، والتي تم تسييسها ـ ويعتقد ـ أضحت بمثابة مسدسات مصوبة إلى الحكومة المسؤولة". ويضيف "ميشيل كلار" فيحدد... "للاحتفاظ بالنظام في مواجهة هذه المسدسات فإن الاستراتيجيين الأمريكيين يتصورون بناء قوة بوليسية شبه عسكرية ـ مثل الأمن المركزى والجيش ـ قد سلحت بأدوات متقدمة ضد المظاهرات وضد الإرهاب، بل والواقع المصري يثير عدة مشاكل بخـصوص هذه المدرجات، وهي أن التطور الصناعي أدى إلى تضخم تجمع المدينة، وقد أدى بدوره إلى نتائج خطيرة، فالطبقة الرافضة لم تعد طبقة الأُجراء ـ كما تعودنا من منطلق الخبرة الماضية، كذلك فإن الطبقة المثقفة ـ بالمعنى التقليدي ـ أضحت تسيطر على الطبقة الرافضة، وهي المقدمة الطبيعية للحركات الثورية أو ما في حكمها". "أضيف إلى ذلك غلبة عنصر الشباب، إن أكثر من نصف المجتمع المصري المعاصر أقل من سن العشرين، وهذا يضفي على المجـتمع ديناميكية يعبر عنها علماء التحليل السياسى بقولهم: إنه صالح لسرعة الاشتعال ". "هذه الخصائص الجديدة تفرض أسلوبًا جديدًا في التعامل، وهو ما يعلن عنه صراحة الخبير الأمريكي السابق ذكره، ولكـن لابد لذلك من اكـتـشاف دقيق لهذه الخـصائص وتحديدها كمًا وكيفًا، وهنا تبدأ أهداف الأبحاث تبرز ظاهرة للعيان ". وهنا يقول الأستاذ الدكتور حـامد ربيع ـ رحمه الله ـ: "كم كنا نتمنى أن ننقل للقارئ كل ما تسرب من تقارير "ميشيل كلار" بهذا الخصوص الذي يصل به الأمر إلى تصور استخدام الأسلحة المزودة بالطاقة النووية " السلاح النووي للمسرح "، والتي يسميـها خبراء الاستراتيجية: Armes Nucleaires de theatre . الهدف الثالث: الإعداد والمساهمة في عملية تجزئة مصر: إن هذا بدوره في حـاجـة إلى المعلومات، إن هذا الهدف كـمـا يشرح تفاصيله العـالم الإسرائيلي "أوديد بنون " والذي كان أحـد كبار موظفي السياسة في وزارة الخـارجية الإسرائيلية فيقول: تجزئة مصر، تحويل كِيانها إلى وحدات جغرافية مستقلة، هذا هو الهدف السياسي الإسرائيلي خـلال الثمانينيات... إذا تمت تجـزئة مصر، فإن دولًا ـ كليبيا والسودان، بل دولًا ـ أخرى أكثر بعدًا لا يمكن أن تظل في صورتها الحالية . وعندئذ سوف تكون لدينا دولة نصرانية في مصر العليا، ثم عدد معين من الدول الضعيفة لا تملك سوى قدرة محـدودة، صهيونيًا عن الدولة المركزية الحـالية، إن هذا هو التطور التاريخي المنطقي الذي نعرفه في الأمد البعيد، والذي أخره فقط اتفاقية السلام عام 1979 " . ثم تساءل الكاتب ـ رحمه الله ـ: "كيف استطاعت القيادات الإسرائيلية أن تجعل هذا المنطق يسيطر على الإدراك الأمريكي؟ وكيف أحـالت هذا المنطق إلى قناعة بأن يتفق مع ذلك الذي سمي بالإجماع الاستراتيجي؟ وأين دور سياسة المعلومات هنا؟ ". مصر الحـرب القادمـة تحت عناوين رئيسية كتب المؤلف ـ رحمه الله ـ : ـ((هل يمكن أن يتحول شعب صُلب إلى طبقة من الجبناء؟)) ـ ((مصر في الطريق إلى كامب ديفيد)) ـ ((تخريب مصر من الداخل)) ـ ((عزل مصر عن محيطها العربي)) ـ ((خلق شلل في وظيفة مصر الإقليمية)) ـ((توريط بقية الدول العربية في كامب ديفيد، والحرص على تجزئتها وحصارها)) ـ ((البدء الجدي في إنشاء إسرائيل الكبرى)) ـ ((مبادئ سياسة الدول الكبرى في التعامل مع مصر، وتدور حول عناصر أساسية منها)). ـ ((سيادة مفهوم التوتر والاضطراب في مصر)). ـ ((إسرائيل تستعد لحرب قادمة حول عام 1995 م !!)). ـ ((الحرب القادمة سوف تذكرنا بالانفجار النازي في أوربا)). ـ ((تحالف بين إسرائيل والدول غير العربية، لتمزيق المنطقة العربية ـ وقد حدث ذلك عام 1991م أثناء حرب الخليج)). ـ ((هل هناك خطة معينة بدأ الإعداد في تنفيذها للإعداد لميدان المعركة؟)). ـ ((ماذا نستطيع نفعل؟)). مصر والحرب القادمة (35): تحت هذا العنوان كتب الأستاذ الدكتور/ حامد عبد الله ربيع مجموعة من المقالات قدم لأولها بقوله : "في تاريخ كل أمة لحظة معينة، فإذا بها تصاب بنوع من الغشاوة الحقيقية، تضطرب مفاهيمها، ويصيب مدركاتها عدم الوضوح، ويسيطر على عقلها عدم الصلاحية، أما قيادتها بجميع مستوياتها، فهي مهلهلة، لا تدري أين الطريق الصحيح، قيادات سياسية فقدت الحياء، وقيادات عسكرية يصيبها الترهل . أما عن القيادات الثقافية، فهي لا تعدو مجرد أبواق تهلل وترقص وتطبل. " "إن إطار القيم الذي يبلوره الأمن القومي هو وحده الذي يحـدد العدو، ويفصله عن الصديق، وينظم مراتب العداوة، وكـذلك مراتب الصداقة، وهذه القيادات المثقفة تتحول سواء بدعوى السلام العادل، أو نتيجة لعدم الوعي الحقيقى إلى صفّاقة يزينون كل زفة، وظيفتهم لم تعد قيادة العقل القومي، وإنما هز الأرداف والدق على الطبول، والقيادات العسكرية التي من طبيعتها التقشف والصلابة تحولت إلى مجـموعة من الموظفين، يلهثون وراء المكاتب المكيفة، البعض يصل به الأمر إلى نعت هذه الطبقة بالخيانة، ولكن هل من الممكن تصور أمة كاملة تعيش الخيانة دون صوت واحد يرتفع مرددًا حقيقة التقاليد؟ ". "الأمر الجدير بالتساؤل: كيف يحـدث هذا التطور؟، فإذا بشعب قوى صلب يتحول إلى طبقة من الجبناء، الذين لا هم لهم إلا تشويه الحقيقة؟ ". "وقد قدم الكاتب ـ رحمه الله ـ نموذجين للتدليل على تشخـيصه لداء قد تعاني منه أي دولة من الدول، وهو تشخـيص ينطبق على غالب بلاد العالم العربي. وهو داء الجبن، ثم تساءل الكاتب: "هل سوف يقدر لنا أن نعاصر نموذجـًا آخر في الأعوام القادمة يأتي هذه المرة من الشرق الأوسط ؟ ". والنموذج الذي ذكره الكاتب، هو نموذج فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية، لم يعد أحد يتحدث إلا عن السلام، بينما ألمانيا المهزومة تستعد للانتقام في اللحظة التي أجبرت فيها على توقيع معاهدة "فرساى" ودفعت الأمة الفرنسية ثمن ذلك خمسة أعوام من الاحتلال، وعدة ملايين من القتلى، دون الحديث عن التخريب والتخلف ". وتساءل الكاتب: "لماذا حدث ذلك؟ "، وقدم أسبابًا ثلاثة لما حدث لفرنسا: الأول ـ " الترهل في القيادة السياسية، والفساد الذي تسلل إلى جميع عناصرها. الثاني ـ الإرهاق الذي أصاب القيـادة العسكرية والفساد الذي تسلل إلى جـميع عناصرها. الثالث ـ اختفاء أي ضغط من الشعب الفرنسي على القيادة لتستيقظ وتواجه الخطر الذي يقع على حدودها ". وختم الكاتب عرضه بقوله: "أحد المعاصرين الذين وصف الشعب الفرنسي بقوله: إن فرنسا تموت فلا تقلقوا نزعها الأخير". مصر في الطريق إلى كامب ديفيد: ثم تحدث الكاتب عن النداء الذي جاء القاهرة عبر الحـدود بضرورة إنهاء الحرب بين مصر وأعدائها في المنطقة ـ يقصد اليهود ـ ووضع إطار شامل للسلام بين جميع عناصر هذه المنطقة ـ أي بين اليهود الذين اغتصبوا فلسطين، وبين بقية الدول العربية ـ وبناء نظام جديد أكثر تحضرًا ؟ لأن العالم لم يعد في حاجة إلى قتال... "واستجابت أصوات من القاهرة لهذا النداء... ووقعت كامب ديفيد، وكـان التطبيع بين مصر واليهود بمباركـة أمريكية أوربية". وبعد خمسة عشر عامًا من استجابة النظام المصري لمبادرة السلام اليهودية الأمريكية، حاول الكاتب تقويم الأحداث التي وقعت أثناء هذه الفترة بهدوء وعقلانية، وتساءل عن "خصائص السياسة الإسرائيلية في المنطقة بعد حرب أكتوبر 1973: هل هي تعبير عن قناعة بهذا الحديث عن السلام، وبناء إطار جديد للتعامل أساسه حسن الجوار؟ ". وعرض الكاتب للمبادئ التي سيطرت على سياسة "تل أبيب " منذ بدء هذه الفترة حتى اليوم ـ منذ عام 1974 وحتى عام 1989ـ هذه المبادئ ـ كما يقول الكاتب: معلنة وواضحة وليست في حاجة إلى مناقشة. وفي سبيل تحديد هذه المبادئ طالب الكاتب القارئ "أن يميز بين دوائر ثلاث: ـ دائرة العلاقات المصرية الإسرائيلية. ـ دائرة التعامل الإسرائيلي مع منطقة الشرق الأوسط ـ العالم العربي. ـ دائرة العلاقات المصرية الأمريكية ." وقدم الكاتب عدة ملاحظات: "في خلال هذه الفترة تغير الطاقم الحاكم في إسرائيل، على عكس الموقف في مصر. حيث إن هذا الطاقم في جوهره لم يتغير. النظرة إلى إسرائيل على أنها دولة تنتمي إلى الشرق الأوسط، ليس فقط بحكم الوجود المكاني والعضوي، بل إنها تاريخيًا وحضاريًا جزء لا يتجزأ من تلك المنطقة، وهذه عناصر هذا الخلاف، وهكذا وصلت الانتكاسة بالإنسان العربي، السرطان اليهودي ليصبح جزءًا من الجسد العربي الإسلامي . ثم تحدث الكاتب عن العلاقات المصرية الإسرائيلية بقوله: " إن المبادئ التي سادت تلك العلاقات من الجانب الإسرائيلي: أولًا ـ تخريب مصر من الداخل. ثانيًا ـ عزل مصر عن محيطها العربي. ثالثًا ـ خلق شلل في وظيفة مصر الإقليمية. " أولًا ـ (تخريب مصر من الداخل): ذكر الكاتب: "أن مبدأ التعامل مع الخصم من الداخل لتقييد فاعليتها الدولية ليس جديدًا في نظرية العلاقات الدولية، فأول من وضع هذا المبدأ النظام النازي من خلال خلق ما أسماه بالطابور الخامس، ولكن "كيسنجر" عاد ليوظف هذا المبدأ من منطلق آخر، أساسه العلاقة العضوية بين السياسة الداخلية والسياسة الخـارجية، حيث نظر إلى السياسة الخارجية على أنها أداة تنفيذ السياسة الداخلية، السياسة الإسرائيلية تلقفت هذه التقاليد وأحالتها إلى خطة كاملة للحركة": أ ـ "فهي تبحث عن جـميع عناصر الضعف في الجـسد الداخلي ـ مصر ـ وتعمل على تضخيمها. والضعف في الجسد المصري مرده عنصران أساسيان: ـ الأزمة الاقتصادية من جانب، وأزمة السياسة من جانب آخر، فمصر تعيش حالة من الانهيار الاقتصادي الذي بدأ مع حرب 1967، وهو يسير في خطوات متتابعة . ـ أزمة القيم تعود إلى ذلك التحـول المفـاجـئ في ترتيب عناصـر الأمن القومي، وهي تتعامل مع هذين العنصرين بطرق غير مباشرة بتخطيط واضح، أساسه إضعاف الجسد إضعافًا حقيقيًا. " بـ "كذلك فهي تتعامل مع عناصر التغيير... إن أي مجتمع قوي لا يتوقف عن التطور والمتابعة الجـادة والمستمرة في التعامل مع المتغيرات المتجددة, وعناصر التغيير في أي مجتمع لا تعدو ثلاثة ـ في وجهة نظر الكاتب ـ الشباب، والعقول، والقيادات . الشباب بطبيعته متحفز، والعقول وظيفتها الحقيقية هي التجديد والإبداع، والقيادات لا تصير كذلك ـ إن لم تكن مستعدة ـ لأن تقود فئات المجتمع في مسالك جديدة، تسمح بحل مشاكلها دون أن تفقد تقاليدها. إسرائيل عملت بطرق مباشرة وغير مباشرة على شل العناصر الثلاثة ـ أي الشباب، والعقول، والقيادات. " ثانيًا ـ عزل مصر عن المحيط العربي: في البداية لعب الرئيس السادات على هذا العنصر لتحقيق هدفين: الأول ـ إقناع الولايات المتحدة بجديته في تلك السياسة. الثاني ـ إكراه القيادات العربية على محاسبة النفس ومعاودة التفكير، للموافقة على سياسته والسير فيها. الكاتب هنا يعتبر أن هذه الخطوة كانت تكتيكية من الرئيس السادات، ثم أحالها إلى خطة استراتيجية، والذي يقرأ ما تكشف من الحقائق يدرك أنها منذ البداية كانت خطوة استراتيجية من السادات لجذب كل البلاد العربية للتوقيع على معاهدة سلام مع العدو اليهودي، وفتح الحدود أمامه وتطبيع العلاقات معه. ولكن الأنظمة العربية ما كانت لتجرؤ على هذا الأمرـ في الظروف التي كانت واقعة حينذاك ـ فالشعوب لا تقبل بهذا، فكان لابد من مرحلة أخرى لترويض الأنظمة والشعوب لقبول الانضمام إلى كامب ديفيد... فكانت أحداث حرب الخليج وغيرها. " "وانتفع اليهود بهذا التباعد الذي حدث بين مصر وجاراتها العربيات، وسّعوا شقة الخلاف بجميع الوسائل... تارة باسم حماية الوضع القائم، وتارة باسم مفاهيم الأمن القومي الإسرائيلى، وتارة باسم روح اتفاقية كامب ديفيد، عملت إسرائيل بطريق مباشر في وضع مصر في كفة الدول المعادية للمحيط العربي . وحدث أن أصدر الصديق العزيز للرئيس السادات "مناحم بيجن " أوامره لتدمير المفاعل النووي العراقي، وهو يشكل رصيدًا استراتيجيًا للأمة العربية، وهو على أرض مصر ـ الإسماعيلية ـ ليحتفل بالصداقة والتعاون بين اليهود ومصر ـ في عهد السادات ـ ومصر واقفة لا تبدي حراكًا ولا تراجع موقفًا ولا تتخذ خطوة ـ واستفاد اليهود من تجميد السياسة والقدرة المصرية في تصفية المقاومة الإسلامية اللبنانية والفلسطينية التي تشكل عقبة كئودًا في وجه تنفيذ المخطط الإسرائيلي، بل ووصل الأمر أن تعلن إسرائيل أن معنى اتفاقية كامب ديفيد التخلي عن ميثاق التعاون العسكري والدفاع المشترك بين مصر والدول العربية. " ثالثًا ـ بث الشلل في وظيفة مصر الإقليمية: كان المفهوم السائد في القيادة الإسرائيلية هو تطبيق مبدأ شد الأطراف، ومن ثم فقد اعتقدت تلك القيادة أن خير سياسة يجب أن تتبع من خلق روابط وثيقة متجانسة أساسها التحالف العدائي الضمني ـ ضد مصر ـ مع العواصم الثلاث: طهران، أنقرة، ثم أديس أبابا ـ الحبشة ـ أي خلق تكتل ثلاثي ضد المنطقة العربية، وخاصة ضد الوظيفة الإقليمية لمصر، تل أبيب واشنطن طهران أولًا، ثم تل أبيب واشنطن، أنقرة ثانيًا، وأخيرًا تل أبيب واشنطن أديس أبابا الذي يحرك هذه التحالفات هو إسرائيل، ولكن باستقلال تام في كل تطبيق عن الآخر، مع المشاركة التامة للولايات المتحدة. ما هو دور مصر الإقليمي من الهند حتى المحيط الأطلسي، ومن البحر الأسود حتى جنوب إفريقيا؟ "لا توجد سوى مصر تستطيع أن تؤدي دورًا إقليميًا معينًا، فهي بكثافتها السكانية، وقدرتها التكنولوجية، وموقعها الاستراتيجي، حيث تتوسط المنطقة، وحيث قناة السويس، وقدرتها على أن تتحكم في باب المندب ـ فهي قادرة على أن تتحكم في جميع التعاملات بين أجزاء هذه المنطقة ـ بما حباها الله به. إسرائيل عملت على تجميد مصر وشل حركتها حتى لا يكون لها دور، وحتى تستطيع أن تقوم هي بهذا الدور، وتدعم وجـودها في تلك البقاع من خلالها. ومن ثم فإلى جانب تفريغ مصر من جميع عناصر القوى، وعزلها عن محيطها العربي، يصير حصارها في كل موضع تعودت أن تمارس فيه وظيفة قيادية منطلقًا طبيعيًا لإكمال عملية التخريب، ليس ضد مصر وحدها، ولكن ضد بقية بلاد العالم العربي والإسلامي، وليس أدل على ذلك من جهود اليهود في أثيوبيا ضد السودان ودعمهم لحركة التمرد. " ولكن هل نجح اليهود في تحقيق أهدافهم؟ "إذا كانت سياسة "مناحيم بيجن "ـ صاحب مذبحة دير ياسين ـ لم تستطع تطويع الإرادة الشعبية المصرية من الداخل، وتطبيع علاقاته مع دولة وادي النيل، فإن سياسة من جاءوا بعده ـ والتي أساسها العمل على شل القدرة والفاعلية المصرية بأي معنى ـ من معانيها ـ قد حققت نجاحًا في هذا السبيل... ويجب أن نعترف بهذا الخصوص أنها ـ أي السياسة الإسرائيلية فعلًا ـ نجحت واستطاعت أن تغسل عقول الطبقة المثقفة، واستطاعت أن تخلق أدواتها في داخل مصر وخارجها، تارة بوعي حقيقي، وتارة بلا وعي. عملية دق الطبول، وزف القيادات، والرقص على الحبال، وتلميع التفاهات في مصر وخارج مصر". ثم عرض الكاتب ـ رحمه الله ـ لسياسة الدولة اليهودية في منطقة العالم العربي "يحرص الكيان اليهودي المغتصب لفلسطين على: أولًا ـ توريط دول المنطقة القوية، فقد ورطت مصر في اتفاقيات كامب ديفيد ـ هذا الكلام عام 1989ـ وقد تورطت بقية الدول العربية في كامب ديفيد في مؤتمر مدريد يناير 1991، ثم أوقعت الأسد في مستنقع لبنان، وأكملت الطوق بدفع العراق للصدام مع إيران وأوقعت الدول العربية كلها في الصدام على أرض الكويت مع العراق في 1991 . ثانيًا ـ تدعيم تجـزئة جـميع دول العالم العربي بلا استثناء، ذاك الذي حدث في لبنان نموذج لما سوف يحدث خلال الأعوام القادمة في جميع الدول العربية. ثالثًا ـ ويكمل ذلك البدء الجـدي في إنشاء لإسرائيل الكبرى، غزو لبنان وضم جنوبه ليس سوى خطوة سوف تعقبها خطوات أخـرى. إسرائيل تسير في سياسة توسع واضحة أفقيًا ورأسيًا، التوسع الأفقي بالضم استعدادًا لمرحلة الضم الرأسي، حيث يحدث من جانب هضم ذلك الذي تم الاستيلاء عليه، ومن جـانب آخر لعملية تهويد كلية وشاملة. "حدث ذلك نسبيًا في منطقة الضفة والقطاع، وسوف يحدث في جنوب لبنان والبقية آتية، مع العلم أن الانسحاب من سيناء لا يعني عدم إمكانية العودة ". ثم تحدث الكاتب عن دائرة العلاقات الأمريكية المصرية: "مبادئ السياسة الأمريكية في التعامل الحالي مع مصر (1989) تدور حول مفاهيم أساسية: 1 ـ سيادة مفهوم التوتر والاضطراب في مصر. 2 ـ استخـدام إسرائيل كـأداة أساسية في السياسة الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك علاقة واشنطن بمصر. 3 ـ معاملة مصر على أنها حظيرة لكلاب الحراسة، وليس أكثر من ذلك. 4 ـ إخضاع التعامل الاقتصادي مع مصر، لنفس فلسفة التعامل مع الدول المحيطة بجنوب إفريقيا . المفهوم الأول : يعكس مفهومًا خطيـرًا في السيـاسة الأمريكية، سيادة التـوتر والاضطراب في مصر، وهذا كشف عنه رجل المخـابرات (كونساليز) "القادة الحـقيقيون للعالم"، حـيث قـال: "لقد كـانت الفكرة السـائدة ضرورة السعي نحـو تحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة؟ لأن هذا لصالح عملية الاستثمار واستنفاد ثروات المنطقة، النظرة الجديدة والتي مبعثها الإدراك الإسرائيلي مختلفة... وتقوم على خلق درجة معينة من عدم الاستقرار والاضطراب الذي لا يصل إلى حد الثورة، أي عدم الاستقرار والاضطراب المنضبط هو خير وسيلة استراتيجية أن تتبع، إنها تسمح بضبط الحركة والإكراه على الاهتمام بالمنزل الداخلي". المفهوم الثاني: والذي هو محور السياسة الأمريكية، أن العلاقة بين إسرائيل وواشنطن أضحت علاقة عضوية، حيث تصير إسرائيل مقدمة الحربة للسياسة الأمريكية. إسرائيل لن تصير مجرد دولة في المنطقة، ولكنها تصير أداة واشنطن للتحكم في دول المنطقة، بل سوف تصير أداة الإمبراطورية الأمريكية في منطقة شرق البحر المتوسط. ثم تساءل الكاتب عن السياسة الإسرائيلية في خلال الأعوام القادمة: "هل تؤمن إسرائيل بسياسة مستقبلية تتفق مع مفهوم السلام؟، وأجاب الكاتب ـ رحمه الله ـ: أولًا ـ إسرائيل تستعد لحـرب قادمة، والتقارير الصـادرة عن مراكز الدراسات الاستراتيجية في تل أبيب وغيرها تحدد ميعاد تلك الحرب، حول عام 1995 لماذا؟ لأسباب معينة قال المؤلف: إنه سوف يعرض لها بالتفصيل. ثانيًا ـ إن الحرب القادمة سوف تذكرنا بالانفجار النازي الذي لم يترك دولة في أوربا دون أن ينالها من تلك الحروب الرذاذ، كذلك فإن هذه الحرب لن تترك دولة واحـدة من دول الشرق الأوسط دون أن تتعامل معها، بل إنها قد تقود إلى مفاجآت محورها تحالف بين إسرائيل والدول غير العربية في تمزيق خريطة المنطقة العربية. ثالثًا ـ إنه في انتظار هذه الحروب هناك خطة معينة قد بدأ في تنفيذها للإعداد لميدان المعركة. رابعًا ـ القيادة الإسرائيلية التي سوف تتحكم في هذا التطور ليست القيادة السياسية الحزبية، ولكنها القيادة العسكرية المهنية. فهل تستطيع مصر أن تقف إزاء ذلك التطور ... موقف السلبية ؟ وماذا تستطيع أن تفعل ؟ ".
|